شبكة قدس الإخبارية

حول المواقف من زيارة الشيخ القرضاوي لغزة

ساري عرابي
هذا المنشور لا يتضمن آرائي الشخصية في الشيخ القرضاوي، ولا يناقش الجانب العلمي في شخصية الشيخ، وهذه قضايا قد أتعرض لها لاحقًا إن شاء الله. ولأن منطلقات الهجوم على الشيخ، وعلى الذين يستقبلونه في غزة، ومصادر هذا الهجوم متباينة، وبالتالي قد تظهر المناقشة وكأنها تخلط بين المصادر والمنطلقات المختلفة، فلن أتعرض لنوعين من الهجوم، نوع يقوم بالأساس على آراء وجيهة، وأرضية ثابتة، ولذا فهو يستحق محاورة أفضل من المحاورة السجالية، أما النوع الثاني، فهو الذي ترتبط خصومته مع القرضاوي بالخصومة مع حماس، ومن ثم فمواقفه من الأطراف ترتبط سلبًا وإيجابًا بعلاقة تلك الأطراف بحماس، وبالتالي لا مصداقية للمواقف المعلنة، وإنما هي الكراهية التي تتوسل بأي ضرب ممكن من ضروب المناكفة والنكاية، وهذا النوع من الهجوم لا يستحق المناقشة أصلاً أيًا كان نمطها. يجمع الذين يهاجمون الشيخ القرضاوي -سوى الذين أخرجْتُهم من المناقشة- مناصرة النظام السوري، أو الارتباط العاطفي والوجداني والمصلحي ببعض حلفاء النظام السوري، أو التحفظ على الثورة السورية لأسباب متعددة منها دخول قوى عربية وإقليمية مشبوهة على خط الثورة. هؤلاء يريدون إسقاط الشيخ القرضاوي، دون أي مراعاة لإسهامه الكبير في نصرة القضية والمقاومة الفلسطينية وهو الإسهام الذي لا زال مستمرًا، ويسمونه مفتي النيتو وهو مفتي العمليات الاستشهادية! هؤلاء الذين يسمون الشيخ بمفتي النيتو، لدعوته القادرين، بما في ذلك القوى الغربية، لدعم الثوار السوريين، لا يستندون إلى موقف مبدئي، تجاه قضية التعاون مع القوى الاستعمارية، أو الاستعانة بها. إذا كان الموقف ذا مصداقية مطلقة، فيجب إذن إسقاط كل طرف استعان، أو تحالف، مع قوى استعمارية، أو تحالف تحالفًا عضويًا مع أطراف استعانت بالمستعمر الغربي. وعلى هذا، فلنتأمل بعض الحقائق: ١. روسيا دولة استعمارية، منذ روسيا القيصرية، مرورًا بالاتحاد السوفييتي، انتهاء بروسيا الاتحادية.. ٢. إيران الإسلامية لم تتوقف عن ممارسة الدور التوسعي الذي مارسه شاه إيران، وإنما أضافت للقومية الفارسية، نظرية سياسية عقدية هي استعمارية بالضرورة، أي نظرية ولاية الفقيه، والتمهيد لظهور المهدي، والتي فيما تعنيه القيام ببعض مهمات المهدي، من تصحيح الخطأ التاريخي الذي لا يزال مستمرًا في العرب السنة (الاستمرار الطبيعي لمغتصبي حق آل البيت)، ولذلك فالولي الفقيه هو (أمير المؤمنين، وولي أمر المسلمين) هكذا بإطلاق! ٣. إذ كان ثمة من يخالف في الطبيعة التوسعية للفكر والمشروع الإيرانيين، خاصة من طرف المتشيعين عقديًا أو سياسيًا، فلا يجدر أن يخالف في ذلك القوميون العرب، الذين يعتقدون أن الحقوق العربية لا تسقط بالتقادم، ولا أدري لماذا يتذكر هؤلاء لواء الإسكندرون فقط الآن! ٤. إذا تجاوزنا عن إيران، فهل يمكن اعتبار روسيا دولة أصيلة في المنطقة؟! وأي شيء يجعل التحالف معها ليس حتى محل ملاحظة؟! ٥. من كانت منطلقاته رفض الاستعمار حتى في بعده الكوني، أو كانت منطلقاته إسلامية عامة، وليست محصورة فقط في الموضوع الفلسطيني، فلماذا لا يسقط (ليس من دعا فقط)، بل تعاون مع دولة استمرت في ذبج الشعوب واستعمارهم ونهب ثرواتهم، بما في ذلك شعوب مسلمة، منذ روسيا القيصرية إلى روسيا بوتين، فلماذا وعلى نفس المبدأ لا يسقط النظام السوري، أو حزب الله؟! هم الآن في خندق واحد في أزمة عربية داخلية!! ٦. لو سلمنا بأنه حتى روسيا، ليست في نفس مستوى أمريكا الاستعماري، فكيف، وعلى نفس المبدأ، لا نسقط حزب الله لارتباطه العضوي بتنظيمات حزب الدعوة، والمجلس الأعلى، التي أباحت لنفسها إسقاط صدام بإدخال المستعمر إلى العراق، بالرغم أن هذا الاحتلال لم يتوسل بثورة شعبية!؟ حزب الله لم يسكت على جرائم حزب الدعوة والمجلس الأعلى الخيانية، بل دافع عنهم، واتخذ موقفًا عدائيًا من المقاومة السنية للاحتلال الأمريكي، وأغلق قناته المنار أسبوعًا كاملاً حدادًا على محمد باقر الحكيم الذي كان حزبه (المجلس الأعلى) من أحزاب مؤتمر لندن التي دخلت في التحالف الذي احتل العراق؟! إذا كان القرضاوي دعا أمريكا لمساعدة ثوار ليبيا، فماذا نقول عن حليف عملاء الأمريكان في العراق؟! هذا والقرضاوي دعا لمساعدة، بينما حزب الله يغطي على عملاء الاحتلال في العراق! ٧. إذا كان القرضاوي دعا لمساعدة ثوار سوريا، فماذا نقول عمن تحالف مع أمريكا بالجهد الحربي المباشر في العدوان على العراق عام ٩١؟! ألم تكن سوريا الأسد عضوًا في التحالف الدولي الذي دمر ثم حاصر العراق في العام ٩١؟! ٨. إذا كان القرضاوي شيخ فتنة لأنه ناصر الثورة السورية؛ أو تدخل "سلبًا" في الإشكال السوري الداخلي من وجهة نظر البعض، فلماذا لا يكون من تدخل حربيًا "سيد" فتنة؟! القرضاوي تحدث، فكيف بمن تحدث وقتل، وبرر فعله الحربي المباشر بأسباب طائفية (حماية المقامات والقبور)، وأباح لنفسه القتل بحجة حماية الأموات؟! كما قال هو بنفسه؟! ٩. هل قطر، خائنة، والعلاقة بها مشبوهة، بسبب تبعيتها لأمريكا، ووجود قاعدة أمريكية حربية ضخمة فيها، أم بسبب موقفها من النظام السوري، والذي استجد من بعدة الثورة؟! أفترض بالنسبة لمن يزعمون تأسيس مواقفهم على مبادئ ثابتة، أن يدينوا ويشتبهوا في علاقات كل الأطراف بقطر، ومن ذلك التحالف النسبي الذي نشأ بين قطر وإيران والنظام السوري وحزب الله، وأن يذموا حمد ومن استقبله واحتفى به في جنوب لبنان بعد حرب العام ٢٠٠٦، وأن يشككوا في نواياه من إعمار جنوب لبنان في حينه، وأن يعتبروا قمة الدوحة لأجل غزة والتي عقدت بعد حرب ٢٠٠٨/٢٠٠٩، إنما كانت لأجل أن يتطهر السفلة بفلسطين؟! لماذا قبل نجاد، وبشار الأسد، ورمضان شلح، وأحمد جبريل، منح قطر هذا الشرف؟! ألم تكن عميلة لأمريكا؟! ألم تكن فيها القاعدة الأمريكية؟! إذن هل تحالف تلك الشخصيات والأطراف مع حمد كان تحالف سفلة؟! كما يضع البعض اليوم زيارات حمد والقرضاوي وأردوغان لغزة في سياق "تحالف السفلة"؟! من الواضح تمامًا أن المشكلة ليست في عمالة أو خيانة أو تبعية قطر، والقاعدة الأمريكية التي فيها! كل هذا ليس مهمًا، المهم علاقة قطر بتحالف (إيران، سوريا، حزب الله)، فيمكنك أن تمارس العمالة دون أن تسمى عميلاً ما كانت علاقتك جيدة بهذه الأطراف، ويمكنك أن تكون خائنًا مخضرمًا ثم تصنف مقاومًا إذا ما ناصرت هذه الأطراف. وأنت مشبوه وتارك للمقاومة، حتى في اللحظة التي تمارس فيها المقاومة، طالما اختلفت مع هذه الأطراف! ١٠. هلا تحدثنا عن علاقات وتحالفات واتفاقات حزب الله، المرتبطة بقوى مشبوهة!! تفاهم نيسان عام ٩٦ مع العدو الصهيوني كان عن طريق الحريري (السعودي)، التحالف الرباعي الذي جمعه بالحريري (السعودي)، تحالفه مع ايلي حبيقة، تحالفه مع ميشيل عون وسكوته عن عملاء الاحتلال المباشرين في تيار عون، موافقته على قرار أممي بعد حرب ٢٠٠٦ يفقد مقاومته أي بعد عربي أو إسلامي.،، الخ.. ١١. ثبت أن الموقف الأمريكي، من الثورة السورية، متماهي تمامًا مع الموقف الروسي، وأقرب للنظام السوري، وقد رحب به النظام السوري، فهل نسمي أنصار النظام السوري أو حلفاءه بأنهم عملاء لأمريكا حسب طريقتهم في التصنيف؟! إذن تحالف (إيران، النظام السوري، حزب الله)، بعضه، أو كله؛ تحالف، أو تعاون، أو استعان بقوى استعمارية، بما في ذلك أمريكا وعملائها، ولم يقدموا خطابًا طائفيًا فقط، بل ممارسات طائفية حد استباحة الدماء لأسباب طائفية صرفة، بإقرار نصر الله نفسه! إذا كان علينا أن نسقط القرضاوي أو نشتمه أو نتبرأ منه وهو لم يقترف عشر هذه الخطايا، فوجب أن نسقط إيران، والنظام السوري، وحزب الله، بالجملة، ولا نقيم أي وزن لمقاومة حزب الله، أو دعم إيران والنظام السوري لهذه المقاومة! أين المشكلة؟! المشكلة من جانبين: الأول: العصبوية، فكل أشكال اجتماعنا الاجتماعية والسياسية، تقوم على العصبوية، والتي تحولِّ أي تجمع إلى تجمع قبلي. وعلى هذا، فالمشكلة ليست في الفعل الخياني، ولا في الخطيئة، وإنما فيمن يفعلها، فإن فعلها ابن حزبنا وجماعتنا وطائفتنا ومن نحب ونهوى، فهي المصلحة والحكمة والضرورة، وإن فعلها من نكره فهو المجرم والخائن! فما لا يقبل من حماس ولا من القرضاوي ولا من الإخوان المسلمين، يقبل من حزب الله! هي العصبية لا غير. المشكلة في الانتماء! الوطن هو الجماعة والحزب والطائفة ومن نحب ونهوى! ومصلحة الوطن هي مصلحة من ننتمي إليهم ولو بالهوى! ولذلك نقبل منهم ما لا نقبله من غيرهم! إذن كان من حق المنتمين إلى "هوى حزب الله"، أو إلى "بغض الإخوان المسلمين"، أن يبرروا لحزب الله وحلفائه كل إثم وخطيئة وكبيرة وجريمة، إعجابًا بمقاومته، أو ثقة به، أو لأن المصلحة ما يختاره الحزب. فلماذا لا يحق لأنصار حماس أو الإخوان الدفاع عن القرضاوي، والتماس الأعذار له، ثقة به، أو تقديرًا لدوره المستمر تجاه فلسطين؟! هذا مع أن القرضاوي يتلقى نقدًا دائمًا ومستمرًا من محبيه، وهم يدافعون عنه الآن، لأن الهجوم عليه متعدد المصادر والمنطلقات، ومرتبط بهجمة غير نظيفة من طرف أنصار النظام السوري. بينما لا يعرف لـ "عباد حزب الله" أي نقد لـ "إلههم" هذا، فمن الذي يصنع أصنامه؟! الجانب الثاني للمشكلة، متعدد الوجوه، فالبعض عنده نموذج المقاومة محصور في حزب الله، ومن ثم فأنت مقاوم بقدر اقترابك منه، ولأن "الحزب مقاوم وأطهر الناس وأشرف الناس"، فمواقفه صحيحة، وهو لا يقاتل إلا في المكان الصحيح، وإن كان في القصير في سوريا! والبعض كانت مقولاته الأساسية التي تبرر وجوده المتمايز، هي الطعن في الإخوان المسلمين وتزكية الذات وتقديم نموذج ثوري يتمثل بإيران وملحقاتها! ولذا من الطبيعي أن يستمر هذا البعض على نفس الخط. والبعض، كان يتصور أن الثورية ومعاداة الاستعمار تتحقق بمجرد الانتماء، وهذا البعض يتمثل فيه القوميون واليساريون، فيكفي عندهم أن تسمي نفسك قوميًا أو يساريًا كي تصير أنك أبو الثورة والنضال! وبسبب من الخصومة التاريخية بين هؤلاء والإخوان المسلمين، وبعد تراجعهم في الشارع العربي، وجدوا أن افتخارهم بذواتهم لا سبيل إليه إلا بالتقرب من حزب الله! (على رأي المثل: كمن تفتخر بشعر بنت خالتها). وهذه الأصناف كلها تفتقد للحس النقدي، وتعطل ملكة التفكير، بضغط من العصبوية والهوى الأعمى، ومن ثم لا يقبل حرٌّ منطق المصادرة والاحتكار والإلزام الذي تحاجج به، خاصة وأن مصداقيتها هشة إلى هذا الحد، الواضح بالحجة والبرهان المحدد والواضح، البعيد عن كلاشيهاتهم المعتادة، التي لا تناقش وإنما تتهم أو تتفاخر بصرف النظر عن موضوعة النقاش. وهذا لا يعني أنني أبرر (ما أظنه أخطاء للشيخ) بأفعال غيره، لكني أرد على مفتقدي المصداقية دعواهم، فهم ألزم بها.