شبكة قدس الإخبارية

فاينبرغ والفدائيون الثلاثة

أحمد العاروري

كان الجنرال درور فاينبرغ، حاكم الخليل العسكري، من أشد المعارضين لخطة جيش الاحتلال "للانسحاب" من الخليل ضمن تفاهمات، لتهدئة الأمور لصالح القضاء على انتفاضة الأقصى المتصاعدة وقتها.

فاينبرغ احتج لدى رئيس هيئة الأركان موشيه كابلنسكي، خلال زيارته للخليل، أن الانسحاب قد يشجع الفلسطينيين على شن هجمات جديدة، ويقود لاشتباكات عنيفة بين المستوطنين وأهالي المدينة، وهو المعروف بعلاقته القوية مع المستوطنين، الذين يتداولون بكثرة مقاطع فيديو له وهو يحمل طفلة ويركض خلال احدى الاشتباكات بالانتفاضة.

في 15 من شهر نوفمبر- تشرين ثان، بالعام 2002، دخل ولاء سرور وأكرم هنيني وذياب المحتسب، وهم طلاب في كلية الهندسة، إلى ما يعرف "بواد النصارى" في البلدة القديمة بالخليل، وفرضوا سيطرتهم النارية ، على الزقاق، وباءت كل محاولات قوات الاحتلال الخاصة والمستوطنين بتصفيتهم بالفشل، لساعات طويلة، حتى انتهت المعركة باستشهادهم ومقتل 17 جنديًا بينهم فاينبرغ بنفسه.

قبل مقتله نزل فاينبرغ بالجيب العسكري لوحده، إلى الزقاق، لكنه لم يتمكن من النزول فقد أصابته رصاصة داخل الزقاق قتلته على الفور، وبقي ضوء كشافات سيارته يعيق تقدم القوات التي هرعت للمكان.

فاينبرغ الاتي من عائلة عسكرية، حيث قتل اثنين من أشقائه ومثلهم من أخواله في حروب دولة الاحتلال بلبنان ومصر، تقول والدته: "لقد كنا نظن أننا كبرنا على الحروب، ابني حاكم عسكري كيف يموت هكذا في الشارع!".

اتفق الفلسطينييون على تسمية العملية "بزقاق الموت"، وحتى الان لا أحد يعلم تفاصيل الاشتباك كما عاشها الشهداء الثلاثة.

حركتهم ونظراتهم وماذا قالوا في لحظاتهم الأخيرة، بانتظار أن يأتي من يؤرخهم أو يأسطرهم، لهذا الجيل المحتاج لرواية تخرجه من البؤس الرسمي.

كل صورة البطولة لفاينبرغ التي رسمها الصهاينة، بعد مقتله، عبر الأفلام الوثائقية وحديث الضباط عنه بينهم وزير جيش الاحتلال السابق يعلون، تتهاوى أمام مشهد مقتله الخالي من البطولة من طرفه، برصاص شبان ربما تكون المرة الوحيدة التي يحملوا فيها السلاح بحياتهم.

كان فاينبرغ يجهز نفسه للوصول لمنصب رئاسة الأركان، معتداً "بخبراته العسكرية" في الوحدات الخاصة "سيريت متكال" التابعة للهيئة.

ربما تشبه حكاية فاينبرغ ما حدث مع قائد جيش الاحتلال في لبنان إيرز غيرشتاين، الذي نسج حوله الصهاينة قصص بطولية كبيرة وروايات عن قدارته العسكرية الكبيرة، حتى أنه كان يرفض استخدام حزام لسلاحه، دلالة على استعداده الكامل للقتال، حتى أطاحت به عبوة ناسفة في العام 1999 زرعت على طريق مرجعيون حاصبيا، وطارت معها كل وعوده بتركيع المقاومة في ذلك الوقت.