شبكة قدس الإخبارية

غزّة تنتظر الكارثة وكأنها لا تبالي

هنادي العنيس

هنا غزة، المدينة التي تعلم بحرها وسكانها فنًا جديدًا، فن البقاء على قيد الحياة، وهنا يوميات الفلسطيني المختلفة، وهنا حصار جمع أكثر من روحًا في سجن كبير، يتحكم السجان في كل شيء فيه وصولاً إلى أبسط حقوق المواطن، ومنها الكهرباء.

فالكهرباء تتحكم بجدولة حياة الغزيين حسب ساعات فصل ووصل للتيار الكهربائي بشكل يومي، هذا التيار الذي تحول من مصدر لتحسين شروط الحياة وتطويرها، إلى تيار للتعذيب الجماعي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

فبالكاد تصل الكهرباء إلى منازل الأهالي أربع ساعات يوميًا، هذه الساعات المربكة تصل بشكل متقطع يعيق وقل ما يفيد في سير عملهم اليومي دون مشاعر غضب تخرج لتؤذي صاحبها قبل أي شيء آخر، وتنجب معها أسئلة أخرى لا إجابات في الجوار لها.

وقد تحولت مشكلة الكهرباء في القطاع بمرور الوقت إلى إحدى أهم مشاكل المواطنين في غزة، حيث المعاناة اليومية تبدأ في السباق مع الوقت وتنتهي بالنوم على العتمة لأن لا أحدًا يعرف إلى أين يذهب بعيدًا عنها.

إن الحصار الخانق على قطاع غزة الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني في آن واحد، دخل في تفاصيل الحياة بشكل قوي، ففي كل دقيقة يشعر الغزي بمعاناته التي لا تنتهي، خاصة عندما تضرب مصالحه سواء في العمل أو في البيت أو في حياته الإجتماعية أو الصحية. السياسة تتدخل في كل شيء هنا.

وفي الوقت الذي يبدأ فيه العد التنازلي لإنقطاع التيار الكهربائي في قطاع غزة ومستشفياتها ومرافقها ومنازلها، يبقى المواطن في القطاع يدفع ثمن ذلك بطريقة عصية عن التبرير.

عندما يسمع شادي العصار صوت القابس الكهربائي في إشارة منه إلى انقطاع التيار، يتوجه مباشرة إلى الشارع، حيث يقول العصار وهو من أبرز المصورين الصحافيين في غزة، "علي أن التقط الكثير من الصور في العتمة وكل الحدود مازالت مغلقة بحميع الاتجاهات، لأن مثل هذه اللحظات يجب أن توثق وتروى في القرن الواحد والعشرين.

ويتابع، نحن نعيش في واحد من أكبر السجون في العالم. والشيء الوحيد الذي أستطيع القيام به هو النظر إلى الموت البطيء الذي يأكلنا على مهل من خلال عدسة الكاميرا.

يعتبر الغزيون محظوظين في ذلك اليوم الذي يتماسك  فيه التيار الكهربائي حتى ست ساعات متواصلة. وعلى النقيض، فعندما يكون الجو باردًا يلجأ أهالي القطاع لإشعال النار أمام أو على أسطح منازلهم. وأحيانًا يقومون أيضًا بطهي الطعام!

وفي فصل الصيف، تبقى الخيارات ضيقة جدًا ومتصلة بأمتار محددة من شاطىء بحر ملوث، يعتبر هو الآخر المتنفس الوحيد لهم في ظل أجواء شديدة الحرارة والرطوبة معًا.

ويؤكد شادي أنه يفعل ما يفعله حرصًا منه بألا يفقد جزء كبير جدًا من أجزاء القصة عن غزة. أن هناك أناس حالمون وطموحون ومذهلون وممتلئون بالحماس. وهناك أيضًا كهرباء مفقودة لم يكشف الغطاء عن قصتها بعد.

*العنوان مقتبس من الناشط ضياء الحنفي.