شبكة قدس الإخبارية

جدار الاحتلال ضد إستراتيجية الأنفاق.. هل سينجح؟

رامي أبو زبيدة

في الحرب الإسرائيليّة ضد الأنفاق تم تقسيم العمل لعمليات الكشف عن الأَنْفاق، ومعالجتها، لكن عملية البحث والكشف تكون صعبة بسبب إخفاء الأفاق، وعملية كشف النفق ممكنة خلال الحفر، بعد الانتهاء يكون الأمر صعبا جدا؛ لذلك يجب التفرق بين عمليات الكشف عن الأَنْفاق خلال مرحلة الإعداد، وبعد الانتهاء من بنائها، يعتمد الكشف عن الأنفاق خلال عملية البناء والحفر على الأصوات الصادرة منها خلال الحفر بواسطة أجهزة دقيقة وحساسة، وبعد الانتهاء من حفرها يكون من الصعب كشفها، لأنه لا يمكن الاعتماد على الأصوات الصادرة من تحت الأرض في الحفر، ويجب الكشف عن النفق بوسائل أخرى؛ لذلك تم الاستعانة ببعض خبراء الحفريات والجيولوجيا وأدواتهم للكشف عنها.

وأكبر دليل على جدّية هذا الخطر الداهم، أنّ الإِسْرائيليّين أنفقوا ملايين الدولارات على أكثر من 700 فكرة لكشف أماكن الأَنْفاق تكنولوجيًا، وكلّها أخفقت في تحقيق النتائج المرجوة.

فقد اعترف قائد وحدة "يهلوم" السابق "عيتايشيلح" بأنه أدار وشارك في عشرة مشاريع لم تفلح في إيجاد حل لتهديد الأَنْفاق، فيما أكد الباحث الإِسْرائيليّ "رونين برغمان"، إن "إسرائيل" تدرك حجم الأَنْفاق، ولكن هذه المعرفة مبنية فقط على الجهد الاستخباري، و"هذا التهديد تم تعريفه كتهديد مركزي منذ 14 عامًا، وحتى الآن لا تزال الصناعات التكنولوجية المتقدمة والمنظومة الأمنية في إسرائيل غير قادرة على إيجاد حل، وهذا الأمر لا يمكن وصفه بأقل من فضيحة .

في عام 2010، أقيم في "إدارة البحث لتطوير الوسائل القتالية والبنى التحتية التقنية" في وزارة الحرب مشروع خاص، يضم أكاديميين وباحثين، لإحداث انطلاقة في مجال معالجة تهديد الأَنْفاق، وتوصل الطاقم في استنتاجاته لضرورة البداية من الصفر، عبر بناء منشأة عسكرية لأغراض علمية، يلي بناءها الشروع في تطوير منظومة جديدة، وفي شهر كانون الثاني /يناير من العام 2011، تم تعريف القتال تحت الأرض خلال مداولات في وزارة الجيش كتحدٍّ معقّد ومحدق، وفي2012تم تعريف هذه المهمة كمشروع طوارئ لإزالة العقبات البيروقراطية.

يقضي الجدار الأرضي ضد الأنفاق بزرع رادارات وحساسات على عمق 30 مترا على طول 70 كلم من الحدود مع غزة، فتصبح الحدود مسيجة من فوق الأرض وتحتها، وادعت نسبة اكتشاف تفوق 99%، ويقدر تكلفته 3 مليارات شيكل (833 مليون دولار)، وتتلخّص الفكرة بجدار تحت الأرض في المناطق الحساسة، ويعني أن التركيز سيكون على الأَنْفاق الهجومية الممتدة للأراضي المحتلة، ومن الصعب أن يحفر جيش الاحتلال داخل القطاع كي يمنع الأَنْفاق هناك.

وهنا يقول أحد علماء الجيولوجيا إن اختلاف التربة وأنواعها عامل مساعد للمقاومة، ويعمل التنوع في طبقات التربة الأرضية من طينية إلى رملية لتشتيت الأصوات الناتجة من عمليات الحفر، وخاصة عند انتقالها من طبقة لأخرى، كما أن عمق الحفر يصعب عملية مراقبة الذبذبات الناتجة من أصوات الحفر، كما أكد علماء الجيولوجيا صعوبة عملية التتبع وخاصة أن المُقاوَمَة تجاوزت الحدود الفاصلة مع القطاع وتوغلت بعمق في مسافات شاسعة داخل الأراضي المحتلة يصعب احتوائها وتتبعها بالوسائل التقنية ومجسات التجسس الحديثة.

تسريع الاحتلال لعملية بناء الجدار الاسمنتي المضاد لتهديد الأَنْفاق وحديث قادة عسكريين لممثلي وسائل الإعلام، أن حكومة بنيامين نتنياهو، ستستمر في بناء الجدار، حتى لو كلفها ذلك خوض معركة جديدة مع حماس، وقد سبق أن ألمح الاحتلال إلى إمكانية لجوء حماس إلى شن هجمات لتعطيل بناء الجدار، فهل يهدف نتنياهو من وراء ذلك لجر المقاومة لحرب جديدة للخروج من أزمته المتعلقة بتهم الفساد التي تلاحقه.

في النهاية، يلجأ الاحتلال لحل تقني غير كامل، وبعض ما يريده تأمين رعب مضاد يحتاج إليه أمام رعب الأَنْفاق الهجومية، ويزيد المخاطرة المادية التي تتكبدها المقاومة مع كل نفق يحفر، كأنه يرسي المعادلة الآتية: إن كان كل نفق هجومي تقدر كلفته من عمال ومواد بمئات الآلاف أو الملايين من الدولارات، فهو بعد إنشاء الجدار الاسمنتي يكشف في دقائق من دون كلفة إضافية.

في المقابل فليس متوقعا أن تتوقف المقاومة عن حفر الأنفاق، لأنّ ذلك يعني إراحة الاحتلال، بل على العكس، قد ينصب الجهد على مواجهة التقنية بما يضلّلها، أو الاعتماد على قصورها، كما أن الاحْتِلال نفسه يتحمّل مع الصواريخ معادلةً خاسرةً مادّيًا، فما تزال كلفة اعتراضه للصاروخ أكبر من كلفة الصاروخ نفسه.

يبدو صعبًا على المُقاوَمَة الفلسطينية في ظل الظروف القائمة في غَزَّة أن تستغني عن الأَنْفاق، فهي ضرورة إستراتيجية عملياتية ولوجستية إذا أرادت المقاومة أن تبقى فاعلة، وأي مس بها هو مس بالمقاومة مباشرة، لأنها بمثابة الأكسجين الذي ستنشط منه المقاومة، لتبقى قوية.

ويدرك العدو الصهيوني أن المقاومة لا يمكن أن تتخلى عن الأنفاق في المستقبل، وأنها ستواصل تحسين قدراتها، لأنها إستراتيجية لا يمكن التخلي عنها، في ظل اوضاع القطاع المتصاعدة، لذا وجب الإعداد والتجهيز للأنفاق.

هذا يعني أن الأنفاق في حال أحسنت المقاومة السيطرة عليها، وتوظيفها جيدا، ستكون لها الكلمة القوية في أي معركة مقبلة، وتفرض من خلالها قوة عسكرية كبيرة قادرة على تغيير موازين القوى والصراع مع الجيش "الإِسرائيلي" الذي فشل في تدميرها كليا، أو حتى وقف تطورها تحت الأرض .

ونقل موقع (ISRAEL DEFENSE) الإِسرائيلي، المختص بالشؤون الأمنيّة والعسكريّة، إن فرضية العمل لدى جيش الاحتلال تؤكد على أنّ المقاومة الفلسطينية تمتلك اليوم أنفاقا هجوميّة تصل إلى عمق الأراضي المحتلة منذ عام 1948، لأن هذا المشروع بالنسبة لها هو رأس الحربة، وهي تقوم على مدار الساعة بحفر الأَنْفاق، لعلمها أن هذا السلاح سيشكل المفاجأة في المواجهة القادمة مع الاحتلال الإسرائيلي.

إن الجدار الأرضي هو شكل من أشكال الردع والإعاقة والمنع من إتمام المقاومة الفلسطينية عملها في الأنفاق الهجومية، بهدف التأثير على خططتها والحد من قدرتها على العمل الميداني، وهذا لا يعني أن الجدار سيكون حائلا دون العمل إذا ما تطلب ذلك "فهو يعيق ولا يمنع"، وفي ظل الظروف القائمة والدلائل والشواهد على الأرض فإن لإستراتيجية الأنفاق دورا محوريا ومهما في أية مواجهة قادمة مع الاحتلال الإسرائيلي، فالأنفاق تعد للمقاومة شريان حياة وضرورة إستراتيجية، وعلى ما يبدو فإن الحرب القادمة سيكون عنوانها الأبرز هو إستراتيجية الأنفاق.