شبكة قدس الإخبارية

ليكن التاريخ أستاذنا.. ونتعلم من عزلة ما بعد حرب الخليج

مصطفى بدر
تجد دائماً من يعلم, لكنك لا تجد من يتعلم. هذا ما نلحظه دائماً حول قضيتنا, فكثيرةٌ هي العبر و الدروس, و قليلون هم التلاميذ. و أكبر معلمٍ لنا هو التاريخ, فالتاريخ لطالما أعاد نفسه بالمواقف و العبر المشابهة, و لطالما تكررت أحداثٌ باختلاف متغيراتها تبقى ثوابتها كما هي, و لكن حتى الآن لم نظهر كفلسطينيين مدى تعلمنا من هذه التجارب للمستقبل. و لنرجع عقدين للوراء إلى حرب الخليج و اجتياح الكويت عام 1991, و كيف أن موقفاً سياسياً استُغِلّ ضد فلسطين و قضيتها و أبنائها استغلالاً جاحداً و غير نزيهٍ من بعض الدول العربية, و التي كان قسمٌ منها ربما ينتظر بفارغ الصبر هكذا فرصة للضغط على ياسر عرفات, و خصوصاً بعدما سئموا من دعم قضيتنا و بدأوا يفكرون جدياً في إنهاء القضية و الرضى بإقامة علاقاتٍ مع الدولة الدخيلة إسرائيل و بأي ثمن, بالإضافة لزيادة إرضاء حليفهم الإستراتيجي الولايات المتحدة. و هكذا عُزِلَت منظمةُ التحرير و القضية الفلسطينية عزلاً غير مسبوق. و بغض النظر عما إذا كان عدم وضوح حيادنا سياسياً و أن الوقوف إلى جانب العراق كان خطأً, فإن الخطأ الأكبر قد أتى بعد الحرب. لقد هبّت رياح النظام العالمي الجديد, و قد أدار وجهه لنا الحليف القديم الإتحاد السوفييتي, و تجاهلتنا الدول العربيةُ بلؤمٍ و جحود, و بدونا كالمحاصر الذي لا مفر أمامه سوى شيءٍ واحد, إتفاقٌ مع الإحتلال, هذا ما أرادوه لنا, و قد تحقق, فكانت أوسلو. في المقابل كانت الحركات الإسلامية و على طليعتها "حماس" قد بدأت تظهر و يلمع نجمها في خضّم الإنتفاضة الأولى و التي هُيأت لها الظروف من خلال إندلاع الثورة الإسلامية في إيران, و الدعم الغربي المتواصل للمقاومة الأفغانية ضد السوفييت, بالإضافة لتبني العديد من الجهات العربية و الإسلامية دعمها لها و خصوصاً أطرافٌ في دول الخليج و التي وجدت في "حماس" تحديداً بديلاً أكثر قرباً من منظمة التحرير الفلسطينية أيدولوجياً و أكثر ليونة نظراً لحداثتها و ضعف مستوى تمثيلها السياسي مقارنةً بمنظمة التحرير, و ذلك قد زاد من العزلة المفروضة على منظمة التحرير. و لنعد ترتيب موازين القوى المحيطة بالقضية الفلسطينية عام 1991, فسنجد منظمة التحرير وحيدةً تقريبا بلا حليف, باستثناء العراق المنهكة من الحروب المتواصلة, و الأردن التي كان لها موقفٌ سياسيٌ شبيه بموقف المنظمة تجاه الإجتياح, و تونس التي فتحت أبوابها لنا, و الجزائر التي كانت و لا تزال في طليعة الداعمين لقضيتنا. و لكن كلاً من هذه الدول كانت تعاني من مشاكل اقتصادية بالدرجة الأولى و ما يترتب عليها من تأثيرٍ على وزنها السياسي حال دون الدعم المطلوب للقضية الفلسطينية, بينما بالمقابل كانت "حماس" ذات الدماء الجديدة المتحمسة قد كونت علاقاتٍ و حظيت بدعم أطرافٍ كانت قد تخلت عن عرفات كنوعٍ من العقاب القصري المفروض على منظمة التحرير و في مقدمتها دول الخليج. و لنتصور سوياً السيناريوهات التي كان من الممكن حدوثها لو ازداد التواصل و الحوار السياسي و الوطني بين الحركات الإسلامية الفلسطينية من جهة و منظمة التحرير الفلسطينية من جهةٍ أخرى في ذلك الوقت, لربما اختلفت الخارطة السياسية و مجريات الأحداث عما هي عليه اليوم, و لكانت العلاقات الدولية بين فلسطين و القوى المحيطة أكثر إتزاناً و قوة في مواجهة الولايات المتحدة و نظامها الجديد ذو القطب الواحد, و لربما لم توقع أوسلو.